حبرور وحبرج وَحَبَرْبَرُ إِخْوَةٌ ثَلاثَةٌ تَجْمَعُهُمْ عَلاقَةٌ قَوِيَّةٌ بِبَعْضِهِمُ البَعْضِ، فَهُمْ لا يَفْتَرقون أبداً، يعيشون بتناغم وانسجام مع والِدَيْهِمْ وَبَقِيَّة سرب طيور الحبارى في الواحة الصغيرة وسط الصحراء الكبيرة، الَّتِي تَنْعَمُ بَوَفْرَةِ النباتاتِ وَالأَعْشابِ فيها، يَتَغَدُّوْنَ جميعاً على ما لذ وطاب مِنَ النباتات الصحراويةِ الْمُتَنَوَّعَةِ، وَالسَّحالي والقوارض والعناكب والفراشات أيضاً.
يَخْرُجُ الْإِخْوَةُ يَوْمِيَّاً مَعَ وَالِدَيْهِمْ يلهونَ وَيَلْعَبُونَ فَوْقَ الْكُثْبَانِ الرملية ويختبئون خلف الشَّجَيْراتِ الْمُتَناثِرَة عليها، وَيَرْكُضُونَ خلف السحالي وَالْحَشَرات لاصطيادها،
وَيَحْرِضُ وَالِدَاهُمْ عَلى اللحاق بهم حفاظاً على سلامَتِهِمْ مِنْ أَيِّ خَطَرٍ يُحْدِقُ بهم، كما يُدرِّبانِ صِغَارَهُما الثلاثةَ عَلى طُرُقِ الْهَرَبِ وَالتَّحْفَي. وَلَكِن في حَقيقَةِ الْأَمْرِ، لَمْ يَكُن الصغار يولون أمر التدريبات بالغ الْأَهَمِّيَةِ، فَهُمْ يَعْتَبِرُونها وسيلةً ترفيهيَّةً لِقَضاءِ وَقَبَ مُمْتَعِ .
وَفِي أَحَدٍ أَيَّامِ الشَّتاءِ خَرَجَ الصَّغَارُ كَعَادَتِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَلْهُونَ حَوْلَ الْوَاحَةِ. وَيَصْطادون ما يُصادِقُونَ أَمامَهُمْ مِنْ قَوارِضَ وَحَشَراتٍ، أَمَا السَّحالِي فَهِيَ الْمُفَضَّلَةُ لَدَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَتَحَدِّوْنَ بَعْضَهُمُ الْبَعْضَ فِي مَنْ يَصْطَادُ أَكْبَرَ قَدْرٍ مِنْهَا. وَيَبْدُو أَنَّ الْجَوَّ الْبَارِدَ يَجْعَلُ السَّحالي تَخْرُجُ بِكَثرَةٍ مِنْ تَحْتِ الرِّمال. الشيء الذي جَعَلَ حَبرُورَ وَحَبَرَجَ وَحَبَرْبَرَ في غاية الفرح والابتهاج
وَمَا هِيَ إِلَّا ثَوانٍ حَتى انْتَشَرَ الْإِخْوَةُ الثَّلاثَةُ يَرْكُضُونَ خَلْفَ السَّحالي يصطادونها، وما يكادُ أَحَدُهُمْ يَصْطادُ واحِدَةً بِمِنْقارِهِ حَتَّى يَضَعَ قدماً عَلَى السَّحْلِيَّةِ التي تليها، بَيْنَما وَقَفَ وَالِداهُمْ يُراقِبانِهِمْ ، وَمَعَ عُلُو أَصْوَاتِهِمْ ظَهَرَ ثَعْلَبِ الرَّمْلِ مِنْ خَلْفِ الْكُثْبَانِ، فَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِرُؤْيَتِهِمْ وَأَخَذَ يُحَدِّقُ وَيَرْسُمُ في رَأْسِهِ خُطَّةً، وَبَعْدَ دَقِيقَتَيْنِ أَخَذَ التَّعْلَبُ يَرْكُضُ مُسْرِعاً بِاتِّجَاهِهِمْ.
انْتَبَهَ وَالِدُهُمْ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عالٍ يُحَذِّرُهُمْ ثُمَّ وَقَفَ هُوَ وَوالِدَتُهُمْ لِمُواجَهَتِهِ، وَبِلَمْحِ الْبَصَرِ اخْتَفى الْإِخْوَةُ الثَّلاثَةُ، وَمَعَ اقْتِرَابِ الثَّعْلَبِ هَجَمَ الْأَبْوَانِ عَلَيْهِ بِمِنْقَارَيْهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَبِأَجْنِحَتِهِما يَصْفَعانِهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ارْتَعَبَ الثَّعْلَبُ وَفَرَّ هارباً ....
هُنا رَأَى الْإِخْوَةُ الثَّلاثَةُ أَوَّلَ دَرْسِ لَهُمْ فِي مُوَاجَهَةِ الْأَعْدَاءِ، حَلَّ الْمَسَاءُ وَعادَ الجَميعُ إلى أعشاشِهِمْ لِيَنْعَمُوا بِلَيْلَةٍ هَادِئَةٍ وَنَوْمَةٍ هَانِئَةٍ. وَلِكِنَّ الْإِخْوَةَ الثَّلَاثَةَ عَجَرُوا عَنْ أَنْ تَغُطَ أَعْيُنُهُمْ وَتَسْتَسْلِمَ لِلنَّوْمِ، فَمَا حَدَثَ كَأَنَّهُ أَيْقَظَهُمْ مِنْ غَفْلَتِهِمْ فَقَرَّرُوا أَنْ يَضَعُوا خُطَّةً مُحْكَمَةً يوقعون فيها بِالثَّعْلَبِ إِذا عاد الْمَرَّةَ الْقَادِمَةَ.
همس حبرور قائلا: علينا أن نقبض على الثَّعْلَب الشرير .
وقالَ حَبَرْبَرُ : " فِي الْغَدِ سَنَدْرُسُ الْمِنْطَقَةَ وَنُحَدِّدُ مَواقِعَ تَنْفِيذِ الْخُطَّةِ."
فَرَدَّ حَبْرَجُ: " يَجِبُ أَنْ نَنَامَ الْآنَ لِنَسْتَيْقِظَ بِنَشَاطٍ وَهِمَّةٍ ؛ فَغَداً لَدَيْنَا مُهِمَّةٌ."
في نَهَارِ الْيَوْمِ التالي اتَّفَقَ الْإِخْوَةُ عَلَى الْخُطَّةِ وَهُمْ عَلَى ثِقَةٍ تَامَّةٍ بِأَنَّهَا خُطَّةٌ ذَكِيَّةٌ وَسَتُعَلِّمُ الثَّعْلَبَ دَرْساً كي لا يعود مُجَدَّداً. مَرَّتْ بِضْعَةُ أَيَّامٍ حَتَّى عَادَ التَّعْلَبُ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ لَمْ يَكُنْ هُناك صَوْتٌ يُلْفِتُ انْتِباهَهُ لِوُجودِهِمْ وَمِنْ بَعِيدٍ لَمَحَ حَبَّرُورُ وُجودَهُ فَصاح هَيا ... لِنَهْجُمْ جميعاً، في البداية ارْتَعَبَتْ والِدَتُهُمْ خَوْفاً عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ والِدَهُمْ لاحَظَ شَجَاعَتَهُمْ وَعَزْمَهُمْ عَلَى الهجوم عَلَيْهِ ، فَقالَ لَهُمْ: لِنَتَعاون جميعاً عَلَى هَزِيمَةِ الثَّعْلَبِ.
قالَ حَبْرَجُ: "أَفْرِدُوا أَجْنِحَتَكُمْ وَتَوَكَّلُوا في الرمال. خُذوا مَواقِعَكُمْ وَانْتَظِرُوا إشارتي."
وَبَيْنَمَا الثَّعْلَبُ يَتَقَدَّمُ، كانوا جميعاً يُراقِبُونَهُ عَنْ كَتَبٍ، ثُمَّ عَدَّ حَبْرَجُ قَائِلاً: " واحِدٌ، اِثْنَانِ، ثَلاثَةٌ، هُجووووم . " ثم ركضوا جميعاً نَحْوَ الثَّعْلَبِ.
وَمِنْ هَوْلِ صَدْمَتِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُواجَهَةِ هُجومِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ مَغْشِيَاً عَلَيْهِ فَصاحوا ثَلاثَتُهُمْ فَرِحِينَ: " انْتَصَرْنَا .. انْتَصَرْنَا . "
وماهِيَ إِلَّا ثَوَانٍ قَلِيلَةٌ حَتَّى اسْتَعادَ الثَّعْلَبُ وَعْيَهُ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ عَلَى وُجودِ سِحْلِيَّةٍ تَوَدُّ الْاِخْتِباءَ بَيْنَ الرِّمالِ .. فَقَامَ بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ وَهَجَمَ عَلَيْهَا وَالْتَهَمَها. وَقَالَ بَعْدَها : " لَمْ أَكُنْ أَنوي أَكَلَكُمْ ؛ وَلَكِنَّ السَّحالي هِيَ وَجْبَتِي الْمُفَضَّلَةُ."
اكتب تعليق على الموضوع