علم النفس الاجتماعي التربوي
يعد علم النفس الاجتماعي (La psychosociologie) فرعا من علم النفس العام، وهو يدرس مختلف التفاعلات التي تحدث بين الأفراد داخل الجماعات أو المجتمع بمعنى أن علم النفس الاجتماعي لا يضع حدودا فاصلة بين ما هو فردي و ماهو مجتمعي، بل يجمع بينهما ضمن مقاربة ينصهر فيها البعدان النفسي والمجتمعي. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يدرس التصرفات الإنسانية، ويرصد مختلف التفاعلات الفردية والسيكولوجية داخل بنية المجتمع. ومن هنا يتم التركيز على العلاقات والتفاعلات السيكو اجتماعية وبالتالي، يستحيل الفصل - هنا بين ما هو نفسي و ماهو اجتماعي أي يدرس هذا العلم التفاعلات الذهنية والوجدانية والنفسية التي تحدث بين الأفراد داخل الجماعة، أو دراسة سيكولوجية الأقليات النشطة . ومن ثم، يصبح الفرد بمثابة ذات علائقية أو ذات متفاعلة مع الذوات الأخرى ضمن سياق اجتماعي معين.ويعرف خليل ميخائيل معوض علم النفس الاجتماعي بقوله:
علم النفس الاجتماعي فرع من فروع علم النفس، يتناول سلوك الأفراد والجماعات وتفاعلهم خلال المواقف الاجتماعية المختلفة، ودراسة العوامل التي تؤثر في هذا التفاعل والعمليات النفسية التي تحدث أثناء هذا التفاعل، وما يترتب على هذا التفاعل من اكتساب الفرد لاتجاهات وقيم وأساليب سلوكية معينة ترضى عنها الجماعة، وأثناء عمليات التفاعل الاجتماعي يتم تأثير متبادل بين الأفراد بعضهم مع بعض، وبين الجماعات بعضها مع بعض، وبين الأفراد والجماعات
إذا، يلاحظ تداخل واضح بين علم النفس وعلم الاجتماع، فإذا كان العلم الأول يدرس الأفراد سلوكيا وشعوريا ولا شعوريا ومعرفيا، فإن الثاني يدرس الظواهر المجتمعية على أنها أشياء. كما ينصب هذا العلم على رصد مختلف الأفعال والتصرفات التي يقوم بها الأفراد والجماعات ضمن وضعية مجتمعية ما، باستجلاء مختلف العوامل النفسية والاجتماعية التي تتحكم في مختلف العلاقات التفاعلية التي تحدث بين الأفراد والجماعات ضمن سياق اجتماعي ما بالتركيز على التنشئة الاجتماعية، واستكشاف مختلف التأثيرات المتبادلة التي تحدث بين الأفراد والجماعات.
وعليه، يلاحظ أن علم النفس الاجتماعي هو علم الفعل، أو علم السلوك، أو علم التطبيق التدخلي داخل الحياة الاجتماعية. بمعنى أنه عبارة عن مقاربة إجرائية عملية علاجية، تسعى إلى فهم الظواهر النفسية الشائنة لدى الأفراد وتفسيرها ومداواتها بحلول اجتماعية. ومن هنا، يصبح علم النفس الاجتماعي بمثابة طريقة في علاج الأمراض النفسية الفردية، بإعادة إدماج الأفراد مرة ثانية في المجتمع أو داخل المجموعات من أجل التكيف والتأقلم وتحصيل التوازن النفسي.
وعلى أي حال، فعلم النفس الاجتماعي هو الذي يدرس الفرد في صورته الأكثر اجتماعية، ويرصد الحالات النفسية لتنمية الفئات الاجتماعية، وتحسين مستواها النفسي والاجتماعي، ودراسة سلوك الفرد في تفاعله أو تواصله مع الآخرين، ضمن بيئة اجتماعية معينة، ويقصد به كذلك ذلك العلم الذي يدرس مختلف الظواهر النفسية ذات الطابع الاجتماعي وبالتالي تكون محفزاتها فردية، أو هو الذي يدرس التفاعل الموجود بين الظواهر النفسية والظواهر الاجتماعية علاوة على ذلك، فهو العلم الذي يدرس العلاقات النفسية الاجتماعية المتبادلة في سياق اجتماعي تفاعلي وتواصلي ويعني هذا أنه يدرس الفرد في علاقته بجماعة واحدة، أو جماعتين أو جماعات متعددة، أو دراسته في حضن المجتمع، أو دراسة المجموعات أو الجماعات فيما بينها دراسة سيكولوجية.
وإذا كان علم النفس يدرس الفرد، وعلم الاجتماع بدرس المجتمع، والأنتروبولوجيا تدرس تأثير الثقافة في الفرد، فإن علم النفس الاجتماعي يدرس التفاعل الموجود بين الفرد والمجتمع.
وخلاصة القول إن علم النفس الفردي - الذي بلوره فرويد ويونغ، وأدلر - يتناول الظواهر النفسية الفردية الشعورية واللاشعورية، بينما علم الاجتماع الذي تأسس مع أوجست كونت ودوركايم وليفي برول يهتم بالظواهر الاجتماعية. أما علم النفس الاجتماعي الذي هو في الحقيقة جزء من علم النفس، فإنه يعنى بدراسة أثر الفرد في الجماعة، وأثر الجماعة في الفرد. كما يرتكز على دراسة الجماعة ويقوم بتصنيفها، من خلال تبيان أدوارها وأهدافها وخصائصها، وتحديد تفاعلاتها ووظائفها داخل المجتمع ومن ثم فهو بمثابة الدراسة العلمية للإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا، يعيش في مجتمع يتخذ له فيه أصدقاء، فيتفاعل معهم، ويتأثر بهم، وفي الوقت نفسه يؤثر فيهم.
وثمة مجموعة من التعاريف لعلم النفس الاجتماعي: إذ يرى هوبرت بونر (Hubert Bonner) أن " علم النفس الاجتماعي هو فرع من العلوم الاجتماعية الذي يتناول سلوك الأفراد داخل الجماعات الإنسانية.
ويعني هذا التعريف أن علم النفس الاجتماعي هو جزء من علم الاجتماع العام، وليس جزءا من علم النفس كما يرى كثير من الدارسين السيكولوجيين وأكثر من هذا فهو يركز على دراسة السلوك الفردي داخل الجماعات الإنسانية أو البشرية.
وهناك من يعرف علم النفس الاجتماعي بأنه " دراسة علمية لخبرة الفرد وسلوكه في علاقتهما بالمواقف الاجتماعية".
ويعني هذا أن علم النفس الاجتماعي هو الذي يوظف المنهج العلمي لدراسة خبرات الفرد وتجاربه وتعلماته وموارده المكتسبة في أثناء مواجهته للوضعيات أو المواقف الاجتماعية المختلفة والمتنوعة، أي: يدمج الفرد كل ما لديه من قدرات وخبرات وتعلمات وتجارب وموارد مكتسبة من أجل مواجهة موقف مجتمعي، أو التكيف مع وضعية اجتماعية معقدة، يتصدى لظرفية أو مشكلة صعبة.
علاوة على ذلك، لا يقتصر علم النفس الاجتماعي على الجوانب النفسية للفرد فقط، بل يتعدى ذلك إلى استحضار عامل المحيط أو البيئة أو الجماعة أو المجتمع، وتبيان علاقات التأثير والتأثر القائمة بين الفرد والمجتمع، ودراسة مختلف المواقف الاجتماعية والثقافية التي يكون الفرد بصدد مواجهتها.
ويرى كريتيش وكريتشفيلد (Cretech and Cretchfeild) أن علم النفس الاجتماعي هو دراسة علمية منظمة لسلوك الفرد داخل الجماعة، سواء أكانت تلك الجماعة أسرة أم مدرسة أم جماعة النادي أم رفاق اللعب أي دراسة الفرد داخل الجماعات.
ويرى ويليام ماجدوجال (William McDougall) صاحب نظرية الغرائز، أن المجتمع يؤثر في الفرد، فيكسبه خلقا وطبعا معينا، بمعنى أن الفرد خاضع للتنشئة الاجتماعية. ومن ثم، فعلم النفس الاجتماعي هو عملية التنشئة الاجتماعية نفسها.
وعلى أي حال فعلم النفس الاجتماعي - كما يعرفه أحمد عزت راجح في كتابه أصول علم النفس - هو " العلم الذي يدرس سلوك الأفراد والجماعات، وهم تحت تأثير المواقف الاجتماعية المختلفة. وبعبارة أخرى، فهو يدرس الصور المختلفة للتفاعل الاجتماعي أي التأثير المتبادل بين الأفراد بعضهم وبعض، وبين الجماعات بعضها وبعض، وبين الأفراد والجماعات بين الآباء والأبناء، بين التلاميذ والمدرسين، بين العمال وصاحب العمل، أو بين العمال بعضهم وبعض، بين المعالج والمريض بين الرئيس ومرؤوسه.. ويجب التمييز بينه وبين علم الاجتماع الذي يدرس حياة الجماعة والتنظيم الاجتماعي خاصة في المجتمعات اللاأمية، كما يهتم بدراسة المشكلات الاجتماعية وطرق حلها وإصلاحها.
وهكذا، يتبين لنا أن تعاريف علم النفس الاجتماعي متعددة، وإن كانت تشترك في كون هذا العلم يدرس سلوك الفرد داخل الجماعة برصد مختلف العلاقات التفاعلية النفسية والاجتماعية التي تحدث بين أعضاء هذه الجماعة، ووصف النسق الاجتماعي الذي يجمع هؤلاء الأفراد، ضمن جماعة موحدة بأهداف وخصائص وسمات مشتركة والهدف من تواجدها هو تحقيق التوافق الاجتماعي، وبناء الهوية الجماعية، وتحصيل التوازن النفسي والاجتماعي.
اكتب تعليق على الموضوع